الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون حتى يتهم في قوله.وهو جواب القسم.وقيل: أراد النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أن يرى جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه جلّ وعز فقال: ما ذاك إلى؛ فأذن له الرب جل ثناؤه، فأتاه وقد سدّ الأفق، فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه، فقال المشركون: إنه مجنون، فنزلت: {إِنَّهُ لَقول رَسُولٍ كَرِيمٍ} {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} وإنما رأى جبريل على صورته فهابه، وورد عليه ما لم تحتمل بِنيته، فخرّ مغشياً عليه.قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين} أي رأى جبريل في صورته، له ستمائة جَناح.{بالأفق المبين} أي بمطلع الشمس من قِبل المَشْرق؛ لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مُبين.أي من جهته تُرَى الأشياء.وقيل: الأفق المبين: أقطار السماء ونواحيها؛ قال الشاعر:الماورديّ: فعلى هذا، فيه ثلاثة أقاويل؛ أحدها: أنه رآه في أفق السماء الشرقيّ؛ قاله سفيان.الثاني: في أفق السماء الغربيّ، حكاه ابن شجرة.الثالث: أنه رآه نحو أجياد، وهو مَشْرق مكة؛ قاله مجاهد.وحكى الثعلبيّ عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: «إني أحبُّ أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء» قال: لن تقدر على ذلك.قال: «بلى» قال: فأين تشاء أن أتخيل لك؟ قال: «بالأبطح» قال: لا يسعُني.قال: «فبِمنًى» قال: لا يسعني.قال: «فبعرفات» قال: ذلك بالحرى أن يسعني. فواعده فخرج النبي صلى الله عليه وسلم للوقت، فإذا هو قد أقبل بخَشْخَشةٍ وكَلْكلةٍ من جبال عَرَفات، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب؛ ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه، فتحول جبريل في صورته، وضمه إلى صدره. وقال: يا محمد لا تخف؛ فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل أحياناً من خشية الله، حتى يصير مثل الوَصَع يعني العصفور حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته.وقيل: إن محمداً عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق المبين. وهو معنى قول ابن مسعود، وقد مضى القول في هذا في {والنجم} مستوفًى، فتأمله هناك.وفي {المبين} قولان: أحدهما أنه صفة الأفق؛ قاله الربيع.الثاني أنه صفة لمن رآه؛ قاله مجاهد.{وَمَا هُوَ على الغيب بضنين}: بالظاء، قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائيّ، أي بمتَّهم، والظنة التُّهمَة؛ قال الشاعر: واختاره أبو عُبيد؛ لأنهم لم يُبَخِّلوه ولكن كذبوه؛ ولأن الأكثر من كلام العرب: ما هو بكذا، ولا يقولون: ما هو على كذا، إنما يقولون: ما أنت على هذا بمتَّهم.وقرأ الباقون {بضنين} بالضاد: أي ببخيل من ضَنِنْت بالشيء أضنّ ضِنًّا (فهو) ضنِين.فروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا يضنّ عليكم بما يعلم، بل يُعَلِّم الخَلْقَ كلام الله وأحكامه.وقال الشاعر: والغيب: القرآن وخبر السماء.ثم هذا صفة محمد عليه السلام.وقيل: صفة جبريل عليه السلام.وقيل: بظنين: بضعيف.حكاه الفراء والمبرد؛ يقال: رجل ظنِين: أي ضعيف.وبئر ظَنونٌ: إذا كانت قليلة الماء؛ قال الأعشى: والظَّنون: الدين الذي لا يدري أيقضيه آخذه أم لا؟ ومنه حديث على عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون، قال: يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقاً.والظَّنون: الرجل السيِّيء الخلق؛ فهو لفظ مشترك.{وَمَا هُوَ} يعني القرآن {بِقول شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} أي مرجوم ملعون، كما قالت قريش.قال عطاء: يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه.{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} قال قتادة: فإلى أين تعدِلون عن هذا القول وعن طاعته.كذا روَى مَعْمر عن قتادة؛ أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي.وقال الزجاج: فأيّ طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بَيَّنت لكم.ويقال: أين تذهب؟ وإلى أين تذهب؟ وحكى الفراء عن العرب: ذهبت الشامَ وخرجت العراقَ وانطلقت السوقَ: أي إليها.قال: سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة؛ وأنشد بعض بني عُقَيل: يريد إلى أي أرض تذهب، فحذف إلى.وقال الجنيد: معنى الآية مقرون بآية أخرى، وهي قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21] المعنى: أيَّ طريق تسلكون أبينَ من الطريق الذي بينه الله لكم.وهذا معنى قول الزجاج.{إِنْ هُوَ} يعني القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} أي مَوْعظة وزَجْر.و(إن) بمعنى (ما).وقيل: ما محمد إلا ذِكر.{لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} أي يتبع الحق ويقيم عليه.وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى: لما نزلت {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} قال أبو جهل: الأمر إلينا.إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم وهذا هو القَدَر، وهو رأس القَدَرية فنزلت: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله رَبُّ العالمين}، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيراً إلا بتوفيق الله، ولا شراً إلا بخذلانه.وقال الحسن: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها.وقال وهب بن مُنبه: قرأتُ في سبعة وثمانين كتاباً مما أنزل الله على الأنبياء: من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر.وفي التنزيل: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} [الأنعام: 111].وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} [يونس: 100].وقال تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56] والآي في هذا كثير، وكذلك الأخبار، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام، وأضل بالكفر، كما تقدم في غير موضع.ختمت السورة والحمد لله. اهـ. .قال الألوسي: {وَمَا صاحبكم}هو رسول الله صلى الله عليه وسلم {بِمَجْنُونٍ} كما تبهته الكفرة قاتلهم الله تعالى وفي التعرض لعنوان الصحبة مضافة إلى ضميرهم على ما هو الحق تكذيب لهم بألطف وجه إذ هو إيماء إلى أنه عليه الصلاة والسلام نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن فأنتم أعرف به وبأنه صلى الله عليه وسلم أتم الخلق عقلاً وأرجحهم قيلاً وأكملهم وصفاً وأصفاهم ذهناً فلا يسند إليه الجنون إلا من هو مركب من الحمق والجنون.واستدل الزمخشري بالمبالغة في ذكر جبريل عليه السلام وتركها في شأن النبي صلى الله عليه وسلم على أفضليته عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وأجابوا بما بحث فيه والوجه في الجواب على ما في (الكشف) أن الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من أهوال القيامة وقد علمت أن من شأن البليغ أن يجرد الكلام لما ساق له لئلا يعد الزيادة لكنة وفضولاً ولا خفاء أن وصف الآتي بالقول يشد من عضد ذلك أبلغ شد وأما وصف من أنزل عليه فلا مدخل له في البين إلا إذا كان الغرض الحث على اتباعه فلهذا لم تدل المبالغة في شأن جبريل عليه السلام وعد صفاته الكوامل وترك ذلك في شأن نبينا عليه أفضل الصلوات والتسليمات على تفضيله بوجه.وقال بعضهم إن لأحد من هو معزز معظم مقرب لديه دل على أن المرسل إليه بمكانة عنده ليس فوقها مكانة وقد علمت أن المقام ليس للمبالغة في مدح المنزل عليه وقيل المراد بالرسول هو نبينا صلى الله عليه وسلم كالمراد بالصاحب وهو خلاف الظاهر الذي عليه الجمهور.{وَلَقَدْ رَءاهُ} أي وبالله تعالى لقد رأى صاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسول الكريم جبريل عليه السلام على كرسي بين السماء والأرض بالصورة التي خلقه الله تعالى عليها له ستمائة جناح {بالافق المبين} وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق كما روى عن الحسن وقتادة ومجاهد وسفيان وفي رواية عن مجاهد أنه صلى الله عليه وسلم رآه عليه السلام نحو جياد وهو مشرق مكة وقيل إن المراد به مطلع رأس السرطان فإنه أعلى المطالع لأهل مكة وهذه الرؤية كانت فيها بعد أمر غار حراء.وخكى ابن شجرة أنه أفق السماء الغربي وليس بشيء.وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في الآية رآه في صورته عند سدرة المنتهى والأفق على هذا قيل بمعنى الناحية وقيل سمي ذلك أفقاً مجازاً.{وَمَا هُوَ} أي رسول الله صلى الله عليه وسلم {على الغيب} على ما يخبر به من الوحي إليه وغيره من الغيوب {بضنين} من الضن بكسر الضاد وفتحها بمعنى البخل أي ببخيل لا يبخل بالوحي ولا يقصر في التبليغ والتعليم ومنح كل ما هو مستعد له من العلوم على خلاف الكهنة فإنهم لا يطلعون على ما يزعمون معرفته إلا بإعطاء حلوان وقرأ ابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروة وهشام بن جندب ومجاهد وغيرهم ومن السبعة النحويان وابن كثير {بظنين} بالظاء أي بمتهم من الظنة بالكسر بمعنى التهمة وهو نظير الوصف السابق بـ: {أمين}.وقيل معناه بضعيف القوة على تبليغ الوحي من قولهم بئر ظنون إذا كانت قليلة الماء والأول أشهر ورجحت هذه القراءة عليها بأنها أنسب بالمقام لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم ونفي التهمة أولى من نفي البخل وبأن التهمة تتعدى بعلى دون البخل فإنه لا يتعدى بها إلا باعتبار تضمينه معنى الحرص ونحوه لكن قال الطبري بالضاد خطوط المصاحف كلها ولعله أراد المصاحف المتداولة فإنهم قالوا بالظاء خط مصحف ابن مسعود ثم إن هذا لا ينافي قول أبي عبيدة أن الظاهر والضاد في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى زيادة يسير قد تشتبه كما لا يخفى.والفرق بين الضاد والظاء مخرجاً أن الضاد مخرجها من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره ومنهم من يتمكن من إخراجها منهما والظاء مخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا واختلفوا في إبدال إحداهما بالأخرى هل يمتنع وتفسد به الصلاة أم لا فقيل تفسد قياساً ونقله في المحيط البرهاني عن عامة المشايخ ونقله في الخلاصة عن أبي حنيفة ومحمد وقيل لا استحساناً ونقله فيها عن عامة المشايخ كأبي مطيع البلخي ومحمد بن سلمة وقال جمع أنه إذا أمكن الفرق بينهما لتعمد ذلك وكان مما لم يقرأ به كماً هنا وغير المعنى فسدت صلاته وإلا فلا لعسر التمييز بينهما خصوصاً على العجم وقد أسلم كثير منهم في الصدر الأول ولم ينقل حثهم على الفرق وتعليمه من الصحابة ولو كان لازماً لفعلوه ونقل وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه ويفتي به وقد جمع بعضهم الألفاظ التي لا يختلف معناها ضاداً وظاء في رسالة صغيرة ولقد أحسن بذلك فليراجع فإنه مهم.{وَمَا هُوَ} أي القرآن {بِقول شيطان رَّجِيمٍ} أي بقول بعض المسترقة للمسع لأنها هي التي ترجم وهو نفي لقولهم أنه كهانة.{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر القرآن العظيم كقولك تارك الجادة الذاهب في بنيات الطريق أين تذهب والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور أنه وحي.{إِنْ هُوَ} أي ما هو {إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} موعظة وتذكير عظيم لمن يعلم وضمير {هو} للقرآن أيضاً وجوز كون الضميرين للرسول عليه الصلاة والسلام أي وما هو ملتبس بقول شيطان رجيم كما هو شأن الكهنة إن هو إلا {مُذَكّرٌ للعالمين} وقوله تعالى: {فَأيْنَ} إلخ استضلال لهم فيما يسلكونه في أمره صلى الله عليه وسلم وهو كما ترى وقوله سبحانه: {لِمَن شَاء مِنكُمْ} بدل من العالمين بدل بعض من كل والبدل هو المجرور وأعيد معه العامل على المشهور وقيل هو الجار والمجرور وجوز أن يكون بدل كل من كل لإلحاق من لم يشأ بالبهائم ادعاء وهو تكلف وقوله تعالى: {أَن يَسْتَقِيمَ} مفعول شاء أي لمن شاء منكم الاستقامة بتحري الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين لأنهم المنتفعون بالتذكير.{وَمَا} أي الاستقامة بسبب من الأسباب {تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله} أي إلا بأن {يَشَاء الله} تعالى مشيئتكم فمشيئتكم بسبب مشيئة الله تعالى: {رَبّ العالمين} أي ملك الخلق ومربيهم أجمعين وما تشاءون الاستقامة مشيئة نافعة مستتبعة لها إلا بأن يشاءها الله تعالى فله سبحانه الفضل والحق عليكم باستقامتكم إن استقتم روى عن سليمان بن موسى والقاسم بن مخيمرة أنه لما نزلت {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28] قال أبوجهل جعل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى: {وَمَا تَشَاءونَ} الآية وأن وما معها هنا على ما ذكرنا في موضع خفض باضمار باء السببية وجوز أن تكون للمصاحبة وذهب غير واحد إلى أن الاستثناء مفرغ من أعم الأوقات أي وما تشاءون الاستقامة في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله تعالى شأنه استقامتكم وهو مبني على ما نقل عن الكوفيين من جواز نيابة المصدر المؤول من أن والفعل عن الظرف وفي الباب الثامن من المغنى أن أن وصلتها لا يعطيان حكم المصدر في النيابة عن ظرف الزمان تقول جئتك صلاة العصر ولا يجوز جئتك أن تصلي العصر فالأولى ما ذكرنا أولاً وإليه ذهب مكي وذهب القاضي إلى الثاني وقد اعترض عليه أيضاً بأن ما لنفي الحال وأن خاصة للاستقبال فيلزم أن يكون وقت مشيئته تعالى المستقبل ظرفاً لمشيئة العبد الحالية وأجيب بأنا لا نسلم أن ما مختصة بنفي الحال ومن ادعى اختصاصها بذلك اشترط انتفاء القرينة على خلافه ولم تنتف هاهنا لمكان أن في حيزها أو بأن كون أن للاستقبال مشروط بانتفاء قرينة خلافه وههنا قد وجدت لمكان ما قبلها فهي لمجرد المصدرية وقيل يندفع الاعتراض بجعل الاستثناء منقطعاً فليجعل كذلك وإن كان الأصل فيه الاتصال وليس بشيء وقد أورد على وجه السببية الذي ذكرناه نحو ذلك وهو أنه يلزم من كون ما لنفي الحال وأن للاستقبال سببية المتأخر للمتقدم ومما ذكر يعلم الجواب كما لا يخفى فتأمل جميع ذلك والله تعالى الهادي لأوضح المسالك.وقال بعض أهل التأويل الشمس شمس الروح والنجوم نجوم الحواس والجبال جبال القوالب وهي تسير كل وقت إلا أنه يظهر ذلك للمحجوب إذا كشف له الغطاء والعشار عشار القوى القالبية والوحوش وحوش الأخلاق الذميمة النفسانية والبحار بحار العناصر الطبيعية والنفوس القوى النفسانية وتزويجها قرن كل قوة بعملها والموؤدة الخواطر الإلهامية التي ترد على السالك فيئدها في قبر القالب ويظلمها والصحف على ظاهرها والسماء سماء الصدر والجحيم جحيم النفس وتسعيرها بنيران الهوى والجنة جنة القلب والخنس الأنوار المودعة في القوى القلبية والليل الأنوار الجلالية والصبح الأنوار الجمالية إلى آخر ما قال ويستدل بحال البعض على البعض وقد حكى أبو حيان شيئاً من نحو ذلك وعقبه بتشنيع فظيع وهو لا يتم إلا إذا أنكر إرادة الظاهر وأما إذا لم تنكر وجعل ما ذكر ونحوه من باب الإشارة فلا يتم أمر التشنيع كما حقق ذلك في موضعه. اهـ.
|